أهبطوا إلى الأرض أيها الأكاديميون: نهاية الداعية وعودة المختار 

صف عبدالإله بلقزيز - في كتابه نهاية الداعية: الممكن والممتنع في أدوار المثقفين-  أمراض المثقفين، فداعية اليوم لم يعد أحد يحتاج لادواره التي كان يقوم بها في السابق من شـــرعنة النظام والتسويغ له، فالسلطة لم تعد تحتاج الداعية في هاتين المهمتين، وانقلبت الأدوار وبات هم الداعية اعتراف السلطة به، وهو الذي. إن دور الداعية (الاكاديمي) لا يتوقف على فهم العالم من حـــوله وتفكيك شيفراته، وإنما تغير هذا الواقع بما يحصن وجوده بحرية وكرامة. فما الذي حصل للداعية، الذي تعب من البحث عن أدواره المفقودة والممتنعة،  فلم يجدها، لقد كانت السلطة السياسية في حـتتتاجة إلى معـــرفة الداعية في إضفاء الشرعية عليها، وعلى قراراتها، وأحكامها، وسلوكياتها، ولذا كان الداعية يتمتع بحظوة لديها، نظراً لهذه العلاقة التبادلية من المنافع والمصالح، فما أن توافر للسلطة مصادر بديلة لشرعيتها، حتى ضعف دور الداعية، وبدأ في قبول أدوار هامشية وتافـــــهة في علــــاقته بالسلطة، يقنع نفسه فيها، وبدأ في التنازلات في كافة جوانب مهنته وشخصيته، وتأقلمــتتـت ذاته مع كافـــتـة أشكال التهميش، والتشويه. وأصبحت ذاته مهشمة، وأصبح مسوغاً للظلم والعبودية والفساد، ومدافعاً مستميتاً عن السلطة، وعن 

صنمية الزعيم


لقد تنازل الداعية عن أدواره الحقيقة تارة، ونزعت منه تارة أخرى، وقبل بالأدوار الهامشية، فأصبح منقاداً للسلطة ومتسلق إليها، تسولها بكافة أشـــــكال التسول، فأضحى دوره في المجتمع مهشماً، واحتل المختار محل الداعية، وقربت السلطة النطيـــحة والمتردية وما أكل السبع. وأستبعدت الداعية متعمدةً 

وهمشته وهشمته

.
ولم يهبط الداعية للارض، ليتلاقح فكره وعلمه وبحثه مع هموم الناس وأوجاعهم، وبقي في أبراج عاجية، بعيداً عن الواقع. يستـــــمتع بالتنــظير، وغرق في ثقافة التسول، وعُقد المكانة المستباحة، وأُرهق من اللهث وراء الفتات ليـــــــسد فراغ المكانة الضائعة، وأصبح مسكوناً بمجالس الخوف وثقافته: الخوف من التعبير، والخوف من البحث، والخــــوف من الرأي، والخوف من المجهول، والخوف من المجتمع، والخوف من التنــظيم. ولـــــم يرتقي بمهــــــنته تنظيــــــمياً، وغــــرق فـــي الــــوعـي الزائــــف، وسوغ له.

لقد فرط الداعية بأهـتتتم ما يميز عمله وهو الحرية والاستقلالية، فلم يعد لا حراً ولا مستقلاً، وابتعد عن الحــرية، علــــماً وعـــتملاً، وقبل بالعبودية بأشكالها المخـــتـتلفة: الإدارية منــــها والمهنية، فغـــابت التخصصية والمعيارية في عمله، فأدخل للمهنة كل خفافيـــش الليل. وارتد ذاتياً، محاصراً بذات مهزومة، ومحاصرة بخوف خارجي فعلي ووهمي، واستدمج الخوف والعبودية فأصبح يُعلمهما، مستخدماً آليات 

العجز المتعلم فاستنسخ جيلا منه

.
وتقـــوقع الداعية في حوزته خائفاً مما يقول، أو يفعل، فلم يهبط للواقع وبقى قابعاً في برج تخيلي بعيداً عن واقعه، فلا غرابة أن أدنى الفئات المهنية تتحرك، أما الداعية فلا تهتز له قصبة، فينتظر الزعيم أن يأتيه بقانون يســعده ويفرج كربته، ويخلصه من خوفه. فكيف للداعية المسكون بالخوف، والذي أضاع بوصلته، أن ينعتق من خوفه، وأن يُعلم الحرية والاستقلالية. الحرية التي لا تأتي إلا من الأحرار، فالعبيد لا يصنعون ثورة.

 

  

Image description

الاستاذ الدكتور ذياب البداينة

عدد المشاهدات لهذه المقالة 

Bookmark and Share