من يقود التغير  ؟

لم يسبق للمجتمع الاردني أن خبر تحولات اجتماعية كبرى أثرت على كافة نظمه وهياكله الاخرى كما هو الحال الراهن. رافقت هذه التحولات معضلات عميقة متجذرة في كافة مـــفاصل المــجتمع ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية، ونجم عن هذه  المعــضلات أزمـــات على المستوى الافقي والعمودي (أزمة قيم، وأزمة مرجعيات، وأزمة سلوك، وأزمة اخلاق...). وامتازت هذه المرحلة بوعي زائف سياسي وحكومي وأمني، وغياب قيادة لهذه التحولات الكبرى، وكانت الاستجابات الرسمية لهذا الواقع سطحية وتقليدية ومسكونه بالهاجس الأمني التقليدي وبعـــيدة عــن الواقع ومجرياته ومساراته المستقبلية. فلم يوفق أي رئيس وزراء لحد الآن لا من فهـــم هذا الواقع ولا من التنبؤ في المسارات المستقبلية له.


وسيطرت ثقافــة الفزعة على الـــسلوك الفردي والــجمعي للمجتمع. واخـــلط الامتثال بالانحراف، وقطعت الطرقات تحت مطلب الحقوق، وفشلت الاســـتجابة الرســمية باســتثناء نجاح الاستجابة الشرطية (الامن العام) والتي انبثقت من استراتيجيتين اساسيتين في هذا المرحلةالأمن الناعم مع الحراك وهذا يُسجل انجازاً وطنياً لهذا الجهاز والذي جنب الاردن الانفـجار في منعـــطفات كثيرة خلال هذه الفترة، وتبنى عقيدة شرطية حضارية ومتقدمة على باقي الاجهزة الأمنية، ساعد فيها التأهيل العلمي لمدير الأمن العام( فهو خريج جامعة سيتدل الامنية في الولايات المتحدة والتي كان يفترض ان تكون جامعة مؤته على غرارها) والخبرة الشرطية والدبلوماسية له كسفير.  والاستراتيجية الثانية هي الامن الصارم (الخشن) مع الجريمة، وسجل فيها نـجاحات وانـــجازات على الرغم من صـــعوبة المرحلة وحساسيتها وتعقد عواملها. وتواجه الاستراتيجية الشرطية تحديات وضغوط كبيرة من باقي الأطراف الاخرى لتحويلها عن هذا النهج، من خلال لومها أحيانا على فشل الـــتدخلات الامنـــية غير الشرطية. واعتمدت هذه التدخلات  على زج الملك كطرف تارة،  تـحت بـــاب الولاء وشيـــطنة الاخر، والتسلق على رصيده الاجتماعي، وتارة اخرى تحت باب الشرعية والقــانون ممــثلة بالخطوط الحمر وأمن الدولة لخلق الذرائع للاستخدام الأمن الخشن باعتباره الحل. هذه التدخلات وفي هذه الظروف لا تساعد في تماسك المجتمع ووحدته، وانما تقسم البلد الـــى (قيس ويمن) مــوالاة ومـــعارضة. متناسين أن الملك للجميع، وهو مرجـــعية الجميع، ومتنــاقضين تماما مع النهج الــملكي في ادارة الازمة، وهو النهج المتمركز على دعم جهـــود الاصلاح، والحوار وتعزيز قيم المواطنة والانتماءـ


في الدراسات التي اجريت مؤخرا بينت ان الجنوب هو الاقل رضى عن الحكـــومات والــخدمات... ولم تكلف أي حكومة نفسها بأن تسأل أو تدرس لماذا؟ وأن تضع الحلول المبني على الــمصلحة الوطنية، وكان الحل الحكومي جاهزاً لمشكلاتنا الاقتصادية، كان ولا زال جيب المواطن، وبدأ الحل الأمني يتخذ مساراً خطيراَ قد يكون قادحاً للتفجير الاجتماعي وهو شيطنة المواطن بالتهم التقلـــــيدية المتعلقة بهيبة الدولة، وتهمة اطالة اللسان وآخرها التحريض على النظام السيـــاسي والدعوة لقـــلب نظام الحكم!!!. هذا البلد الذي كنا ولا زلنا نفاخر بان نظامه الســياسي لم يقـــرب الدم والعرض.  وكل ما انجزته الحكومة الحالية هو السياج المادي والافتراضي، (السجن الجمـــعي الــمادي والافتــراضي للمجتمع) فشجرت دوار الداخلية وسيجت الدوار الرابع، وأخير تسييج الفضاء الالكتروني وهي بذلك أصبحت طالبانيته النهج. ولم يدرك القوم أنهم يدفعون المـــجتمع للتطرف، وان هــناك تــعلم جمعي عابر للحدود الوطنية، وأن المجتمع يسير للامام ولا يرجع للخلف، وأن التغير الاجتماعي إما أن يقاد أو يقود، فخبرات الشعوب السلمية في التحرر ومكافحة الفساد يتم تناقلها واكتسابها وتعلـــمها مــن الشعوب الاخرى. لقد أنتهى عصر الانقلابات وحكم العسكر، الشعوب اسقطت وستسقط دكتاتوريات كبرى بالمطالب السلمية والحراك المجتمعي. فأوروبا الشرقية قد سبقت الربيع العربي في التحرر. إن ضمان الحرية وترسيخ الديموقراطية ومحاربة االفساد والجريمة والارهاب والتطرف وسائر الامراض الاجتماعية هي المحصنات الحقيقية للأمن الوطني. وان الانتخابات النزيهه هي اللبنة الاولى في التغيير والاصلاح.


لقد نجح الرئيس الامريكي في حملته الانتخابية عندما رفع شعار "التغير الذي نؤمن به" . فالمرحلة الراهنة اردنياً قد ملت الجنرالات، والدجاليون والتجار والثمالى، وهي ليست بحاجة لرئيس بل بحاجة لقائد يؤمن بالتغيير والاصلاح الذي يطالب به الشعب الأردني، قائد يدير أزمة، ويقــود التغيير السريع الذي لا ينتظر التباطوء والسبات، قائد يؤمن بالاردن أولاً فعلاً وقولاً، قائد يؤمن بمصلحة الاردن ويضعها فوق كل حساب، قائد يؤمن بمستقبل الاجيال القادمة من الشعب الاردني، ويحترم مطالبه، ويقدس وجوده، قائد منفتح على الآخر يؤمن بالحوار وينبذ العنف والاستبداد، ويفهم التاريخ. قائد يقود التغير ويؤمن به فمن يقود التغيير سوى الملك؟

Image description

الاستاذ الدكتور ذياب البداينة

عدد المشاهدات لهذه المقالة 

Bookmark and Share